Thursday, October 8, 2015

ضل حيطة ....... !!!!!!



فى الصباح أثناء ذهابها لعملها فى المدرسة أخبرتها أمها أن هناك عريس سيقوم بزيارتهم آخر الأسبوع ... كانت تخبرها وسعادة تملأ وجهها بهذا الحدث الذى لا يتكرر فى حياتها إلا نادرا .

كانت على قدر بسيط من الجمال على عكس شقيقاتها اللواتى تزوجن مبكرا وأنجبن ، كان الكل ينظر إليها ويتعجب مقارنة بهن وكان يصل إلى مسامعها أنها بالتأكيد ليست من ذات الرحم التى أنجبت الأخريات ... كانوا يغلفون تعليقاتهم بابتسامات وضحكات فى محاولة فاشلة لتخفيف وقع الكلمات عليها وكانت تنظر إلى الأرض خجلا لا تجد ما تجيبهم به .

انتظرت من أمها العكس حتي تواجه المجتمع والناس لكن وجدت منها القلق المستمر والخوف من أن تكمل ابنتها حياتها بلا زواج وتحول هذا القلق لعبء على أعصابها لأنها كانت تفرغ هذا الخوف والقلق عليها سوء معاملة ونظرات حسرة فارغة من أى عطف غالبا وقليلا ما كانت تحتويها مما أوصلها لأن تعتقد أنها صدقا وحقا ليست من ذات الرحم .

ومع بلوغها الثلاثين تحولت النظرات اليها من الجميع الأهل والأصدقاء والمعارف والجيران ... لا يراها أحد إلا ويدعوا لها بالزواج وأن يأتى العام القادم وهى فى بيت زوجها .

دعوات تراها لطمات على وجهها وتذكيرا بفشلها كأنثى جاذبة للرجال أكثر منها دعوات ... هى بلا قيمة لها إلا بخاتم فى إصبعها .. كانت تبتسم خجلا وتتلعثم وتتخبط فى مشيتها وتمسك بخصلة شعرها إلى وراء أذنها وتذهب إلى حجرتها لتمر عليها الساعات سنوات انتظارا للصباح حتى تذهب إلى العمل ... أيام الإجازات كانت تمر عليها كالدهر .

المدرسة هى المكان الوحيد الذى لا تود تركه وتتمنى لو كانت مدرسة داخلية لتغيب أطول فترة ممكنة و لتتجنب النظرات المتعاطفة والإيحاءات وجمل الرفق بحالها التى تلاحقها أينما وجدت حتى مع زميلاتها اللواتى كن يدعين عدم سعادتهن وأن الزواج لم يضف لهن شيئا .

هذا غير صديقاتها ، زاملنها فى عنوستها زمنا حتى إذا تزوجت إحداهن تغيرت لهجتها من الإحساس بقسوة المجتمع وقسوة نسائه عليهن لتأخر الزواج إلى إبداء نفس النصائح التى تسمعها ممن حولها .

منطلقة مع تليمذات فصلها وكان الحب بينهن متبادلا .. مادة التاريخ هى ما تحب وتهوى ورغم أن مجموعها كان يؤهلها لكلية من كليات القمة لكنها أصرت على دخول الآداب ودراسة التاريخ ، كانت تحلم بأن تؤلف كتابا تطرح فيه رؤية أخرى للتاريخ ولأحداثه .

تعرف جيدا كيف تجعل من التاريخ تلك المادة الصماء حياة نابضة ملئى بالحركة والروح ... كانت تستغل فيها قدرتها على الحكى وأخذ العبر من أحداث الماضى واستشراف المستقبل .

كانت تتواجد قليلا فى غرفة المدرسات وتقضى فترات الإنتظار بين الحصص فى غرفة الموسيقى كلما أتيح لها ذلك مع المدرسة الجديدة التى فتحت لها المجال لتتعلم البيانو وتدندن ... صوتها لم يكن جميلا ولا نشاذا لكنه مسموع حسب ما كانت تحدثها مدرسة الموسيقى التى كانت تشيع جوا من البهجة والسعادة حولها وكانت دائمة السخرية من كل شئ وأى شئ وكانت مخيفة فى آن ..

لم تستطع الباقيات أن تباريها وكن يخفن منها "لسانها عامل زى المبرد" .....  بعدما واجهت إحداهن مرة عن كيف لا تكف عن الشكوى من زوجها وفى نفس الوقت لا تكف عن شراء اللانجرى وتتفنن فيه :
- منين بتشتكى منه ليل نهار ومنين مش مبطلة شرا قمصان نوم عريانة ؟؟ خايفة نحسدك مثلا ؟؟

قالتها بلا حياء أو اختيار كلمات مناسبة لكنها عبرت عما يدور بعقلها هى طوال الوقت كلما تصادف والتقتهم أو اضطرت للتواجد معهم فى نفس الحجرة .

هى على النقيض منها تماما إجتماعية ومتكلمة وذات ذهن حاضر متقد وإجابات جاهزة فى أى وقت ومع أى شخص وفى نفس الوقت لا يعلم الجميع عنها سوى النذر اليسير.

كم تمنت أن تكون مثلها حتى تستطيع استمالة زميلها الذى تحبه فى صمت ... كم حاولت كثيرا أن تجد مجالا للحديث معه وتفشل يلازمها التلعثم وتهرب تجر أذيال الخيبة باكية من أنه بالتأكيد يسخر منها بداخله وتوقفت محاولاتها تماما مع ملاحظته اهتمامه بزميلة أخرى وكيف كان يتعمد التواجد معها بشكل مستمر .

الحنان الذى تفتقده كانت تعوضها به مدرسة الموسيقى رغم قلة حديثهما معا ..... هى وحدها كانت تشيد بتقدمها فى العزف وبصوتها وبوجهها وكانت تخاطبها متعجبة هل عدم الرجال عيونهم حتى يتغافلوا عن هذا الوجه الطفولى الملائكى ؟

كانت كلماتها تعزية ونسمة باردة فى يوم حار ولكنها لم تصدقها بل عزتها أنها كرم أخلاق منها وتشجيعا لا أكثر .

طوال ذلك الأسبوع فى انتظار العريس المجهول اضطربت وكثر تواجدها فى حجرة الموسيقى على عكس السابق مما لفت نظر زميلتها حتى أتى اليوم الموعود وظهر عليها التوتر الشديد .

لاحقتها زميلتها بالأسئلة حتى أخبرتها همسا وكأنه سر وحدث جلل بنبرة تحمل رعبا أكثر منها فرحة ...

واجهت عيني زميلتها لأول مرة وهى التى كانت تهرب من مواجهة عيون الآخرين ... كانت تبحث عن عينين مختلفتين تحملات حبا وليس تعاطفا ورفقا بالحال .... ووجدت ما أرادات ... وجدت في زميلاتها نقاء وحنان غريبين ، ابتسمت فى وجهها وقصت عليها ما تخفيه عن الآخرين ...

أنا مثلك وكنت فى موقفك يوما ما وتزوجت حتى أخرس ألسنة الناس وحتى لا أسمع كلماتهم التى تشعرنى بأنى مدانة وأنى السبب فى عدم زواجى والنتيجة مطلقة وأعول ولدين ... تزوجت ببخيل .. كان يعتمد على مرتبى للإنفاق ومرتبه ليدلل به نفسه ولا يهتم بالولدين ولو بشكل معنوى .

من كانوا يدفعوننى للزواج دفعا لم أجدهم بجانبى لمواساتى أو التخفيف عنى أو مساندتى فى تربية الطفلين ولم يتبق بيننا شئ لتستمر الحياة وطلبت الطلاق ...... لم أسلم منهم آنسة ولم أسلم مطلقة والنتيجة أنى سأعيش حياتى كما أراها لا كما يراها الآخرون .

أصابتها كلمات زميلتها بحيرة .... صوت واحد أمام عدة أصوات لاحقتها طوال هذا الأسبوع والحديث المتداول وكأنها أعجبت العريس المنتظر وقبل الزواج منها ولا أحد أبدى اهتماما أو وضع احتمالا لرفضها إياه .

جلست أمام مرآتها ولم تتكلف فى تبرجها وانتبهت للمرة الأولى وملأ أسماعها صوت زميلاتها وهى تمتدح هذا الوجه الطفولى الملائكى ... شعرت لأول مرة بأنها ليست قبيحة كما تتخيل وأن كلامها يحمل من الصدق الكثير.

فى الصالون لاحظت المبالغة فى الحفاوة التى تبديها أمها للعريس وأسرته والمبالغة فى الحديث عنها وهى تقدمها لهم .. لا تدرى كيف واتتها الشجاعة لرفع راسها والنظر إليه والتفحص فيه .... يبدو عليه الشباب رغم بياض شعره يرتدى قميصا لاحظت به بقعا صغيرة وبنطلون لا يتسق مع القميص ولم يهتم حتى بكيه وحذاء رياضى .

لم تتحمل لهجة التعالى التى يتحدث بها والنظرات التى تجردها من ملابسها والتى أمطرها بها طوال الجلسة .. لم يحاول أن يتحدث إليها ولو بكلمة بل كان النظرات الوقحة فقط .

خلال يومين جاء الرد إيجابى وأنه يطلب لقاء آخر للإتفاق على النواحى المادية فكان ردها صباحا وهى ذاهبة إلى عملها أنها لا توافق وجرت لا تلوى على شئ سوى الهروب من سماع ما لا ترغب فيه .

لن تتزوج سوى من يتقبلها كما هى .... من يرى فيها ما رأته زميلتها ... لن تتزوج إلا من يشعر بها ويرغب فى التعرف بها أكثر ... بمن يود رؤيتها من الداخل ويشجعها ويتخذها شريكة روح قبل أن تكون شريكة جسد  .... لن تتزوج إلا بالقادر على تفجير كل الحب والحنان اللذان لا تظهر منهما سوى ما يراه الغافل من جبل الجليد.

No comments:

Post a Comment