أعترف أن حديثي فى هذا الجزء من السلسلة
عن الخبراء والنخبة يثير غثياني من كم الخدع التي أكلناها والأقنعة التي سقطت مع
الإنقلاب العسكري وقبله بالتمهيد له من هذا الثنائى وتحديدا النخبة لنكون أكثر دقة
.. نحن فعلا دولة الخبراء والنخب ال "كدة وكدة" بامتياز ، فكم المواقف والتحولات كارثى وأكبر وأكثر من أن يحصى فى مقال حيث أن كل إسم هنا _ وإن لم أستطع أن أحصى الجميع _ يحتاج مجلدات ترصد كم "الهشتجة" الذي
كان بارعا فيه وبامتياز وأتعب "المهشتجين" القادمون من بعده حتى أصبح
حصر الشرفاء أصحاب المواقف دافعي أثمانها أكثر سهولة من حصر المرتدين على كل
مواثيق الشرف والحياء .
كيف لدينا هذا العدد من الخبراء من كل
الأنواع استراتيجيين وعسكريين واقتصاديين وإعلاميين وأمنيين و"يين" فى
كل مجال "وعلى كل لون يا باتسطة" لكن لم تتغير الأوضاع و الأحوال طوال
قرن مضى .... لماذا ؟
لماذا بلادنا دائما فى المقدمة فى كل
مؤشرات الفساد وعدم الشفافية وانتهاك حقوق الإنسان والرشوة وفى ذيل القوائم فى كل
مؤشرات التقدم والحداثة ؟؟
فإما أنهم خبراء حقيقيون فكان نصيبنا منهم
الهجرة إلى الخارج والتصفيق لهم حال فوزهم بجائزة عالمية ونظل نحن فى الحضيض
وتتقدم الدول بعقولنا الهاربة من بيروقراطية وفساد الداخل إلى الغرب الواسع الملئ
بفرص التجريب والبحث والتطوير والإضافة .
أو خوابير تملأ الفضائيات تنظير وحكى
وفلسفة غير مجدية ولبس أصلح من بيئة فاسدة وشعب جاهل ليجد أمثال هؤلاء مكانا
ومكانة وما إلي كذلك .
الديكتاتور لا يقبل بالعقول لكن يحتفى
ويقرب الذيول . العقول لن تبقيه لحظة على العرش أما الذيول فلن تألوا جهدا لتثبيته
عليه فهم عبيد إحساناته قابلى الفتات الملقى إليهم آكلون على موائده وموائد كل من
يأتى بعده وليس شرطا أن يكونوا مهددين أو ذوى ملفات شائنة وتاريخ قذر غير مشرف بل
هناك ملكيون أكثر من الملك متطوعون لاحسي أحذية. جرذان هذا الزمان وكل زمان فهم
يستخدمون خبرتهم – إن امتلكوها – لتثبيت عرشه وإيجاد المبررات لإخراجه من أزمات
قيادته الفاشلة .
سامح سيف اليزل الخبير الإستراتيجى صديق اسرائيل
المتعامل معها فى شركة أمنية ولا يخفى ذلك مطلوب حين نسمعه ونشاهده أن نصدق أنه
يبتغى مصلحة مصر تجاه العدو الرئيسي وهم الصهاينة ؟؟ الكارثة الحقيقية هنا هو
انسحاب الصهاينة من المشهد كعدو أساسى وتاريخى ليحل محله أي تيار له مرجعية
إسلامية حتى بين المسلمين أنفسهم وإن شئت الدقة مسلمى البطاقة الشخصية بعيدى
السلوك عن الإسلام الحق.
ليأتي فؤاد علام و عميد محمود قطري
الخبراء الأمنيين والأخير هذا كان له سلسلة قوية عن مساوئ المعتقلات وضباط
الداخلية فى الأقسام على جريدة الدستور الإصدار الثاني برئاسة تحرير إبراهيم عيسي
لكنهما ارتدا على عقبيهما بعد الإنقلاب .
أعترف أنى مثل غيرى قد خدعت فى كثير مما
يدعون بـ "النخبة والخبراء" وكل منا خدع فى أشخاص كانوا مكشوفين أمام
آخرين والعكس فقد تنبهنا لبؤس أشخاص كانوا أهل ثقة عند غيرنا .. وهكذا
قال أحدهم _ لا أذكر اسمه _ يوما "ليس أخطر على البشرية من المثقف
لأنه قادر على التلون والتبرير دائما لتغير موقفه وآرائه طبقا للمائدة الجالس
عليها" .. ويشاء حظنا التعس أن يكون نصيبنا منهم.
كانوا بارعين فى الرقص والتلون ولى
الحقائق والكلمات وكانوا أكثر براعة فى التخفى وتصدير وجه ثوري نظيف يأبى الظلم
ومع الانقلاب ذابت كل ذرات الخجل وحل محلها فجر (بضم الفاء) منقطع النظير ، رموا
المبادئ بطول الأذرع بلا رجعة وكشفوا عن مكنون وسوء الطوية غير عابئين بمن صدقوهم
طويلا وآمنوا بما روجوا له عن مبادئ الحق والخير والجمال.
الواقع أنى وقفت عاجزة في أن أحصي المواقف
والتصريحات لهيكل ومعتزعبد الفتاح وممدوح حمزة وجورج اسحق وحسام عيسى وجلال أمين
وإبراهيم عيسي ويسرى فودة وبلال فضل وعلاء الأسوانى ونهي الزيني وهبة رؤوف عزت وفريدة
الشوباشى ونور الهدى زكى وغيرهم وغيرهم من المحسوبين على التيارات الناصرية
واليسارية والشيوعية والليبرالية والعالمانية الذين وجدوا فى العسكر ضالتهم وكان أهون
عليهم من أن يحكمها إسلامي بالديمقراطية التي لاكوها لسنوات وكبر على المبادئ
والأخلاق أربع بلا رجعة .
الأسماء التى ذكرتها ومن لا يتسع المكان
لذكرها لها مواقف يومية وتصريحات على مدار الساعة لا تعد ولا تكفى مقالة لملاحقتها
ولكنها تكفى لصنع مزبلة تاريخية لكل إسم على حدة.
أنا التى آمنت بما قالوا وما روجوا ولن
أتخلي عما تنازلوا هم عنه وتاجروا به وكدسوا الأموال وداهنوا ولعبوا ومازالوا
بعقول شعب جاهل رضي أن يلقى بعقله على قارعة الطريق ويضع مكانه فضلات تلك الكائنات
المخربة لهذا الوطن إن جاز أن نسميه وطنا .
No comments:
Post a Comment