Friday, September 27, 2019

المقاول عرفة الشواف

حالة من اليأس سيطرت على كثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مرور "جمعة الخلاص" على عكس ما يبغون. فلم تكن خلاصا ولم يكن الحشد كما كان مطلوبا أن يكون. سادت حالة من التفاؤل والثقة الكبيرة في أن هذا اليوم، سيكون فارقا وحاسما والسبب الوحيد برايي هو الثقة الشديدة أن خلف الفنان والمقاول "محمد علي" ركن شديد، قادر على التدخل والحسم.

الموقف ذكرني بمسرحية "وجهة نظر"، التي صاغها بعبقرية "لينين الرملي". تعامل كل المقيمين في دار رعاية المكفوفين مع الوافد الجديد "عرفة الشواف" بكثير من الشك في بداية انضمامه إليهم، لكن مع الوقت ولأنه الوحيد الذي أعمل عقله، ظن الجميع بدءا من مدير الدار، مرورا بالموظفين، وانتهاءا بالمكفوفين أنفسهم أنه يرى، حتى كانت الصدمة كبيرة حين اكتشف الجميع إنه كفيف مثلهم وكانوا قد علقوا عليه آمالا عريضة في التخلص من استغلالهم، والحصول على حقوقهم المسلوبة.

هنا يأتي السؤال: هل وراء محمد علي جهة أو شخص ما؟، من الصعوبة بمكان حسم الأمر رغم أن الإجابة واحدة من اثنتين لا ثالث لهما، إما نعم وإما لا. المنحازون للاحتمال الأول، لتصريحه هو نفسه أن هناك قادة من الجيش والشرطة المصريين قد تواصلا معه وأبدو مسادنتهم له في حراكه، وأن في الجهازين هناك شرفاء ملوا من الظلم واستغلال النفوذ، وإهدرا المال العام.

أما لا فقد كان احتمالا ضعيفا عند الأغلبية، عززه السرعة التي تم بها الدعوة للحشد والنزول إلى الشارع، بعد أقل من شهر من بداية كشف جزء من فساد الهيئة الهندسية في قطاع المقاولات فقط، والتي استجابت لها أماكن لا بأس بها تمركزت في محافظات الوجه البحري.

حتى مع تصريحات محمد علي المتكررة، من أنه مداوم على تغيير أماكن إقامته في أسبانيا، خوفا من تعرضه لمحاولات اغتيال، لم تمح من الأذهان وجود جهة ما تعمل معه وتنسق له، وتمده بمعلومات إضافية.

لكن مع انتهاء اليوم ساد الاحباط. الأمر برأيي سببه الرئيسي هو السرعة في طلب الحشد والنزول، الأمر كان بجاجة لعمل ضغط بمدة أطول، لحشد معنوي أكثر، واستغلال لواقع الحال على الأرض أكثر، من استمرار كشف المساوئ واستغلال الشعب ورمي الفتات لهم، في حين أنهم ينعمون بخير البلد ويحتكروه لأنفسهم، كان يجب استغلال تصريحات الرئيس السيسي من استمراره في بناء القصور الرئاسية، في حين زيادة الأسعار مستمرة، والشعب في حاجة لمستشفيات بها كل الإمكانيات، ومدارس ليست مكدسة ولا يجلس الطلبة بها على الأرض، الأمر كان بحاجة لنشر التناقضات والفروق بين ما يعيشه الشعب، والرفاهية التي يحياها سارقو البلد.

كان هناك كذلك غياب تام للنشطاء وثوار 25 يناير 2011، والسبب هو ما أفصح عنه اثنان منهما، وهما "وائل عباس" و"أسماء محفوظ" من السخرية من "محمد علي" كونه فاسدا وتعامل مع الفسدة من داخل المؤسسة العسكرية، ويريد أن يلبس ثوب المناضل وهو ما لا يقارن مع التضحيات التي قدموها.

ليأتي موقف النخبة حيث أبدى أستاذ العلوم السياسية المعتقل حاليا، "د. حسن نافعة"، رفضه أن يتصدى للمشهد السياسي مقاول محدود التعليم والخبرة السياسية، ووافقه "د. عمار علي حسن" و"حسام بدراوي". وغاب عن المشهد "حمدين صباحي" و "د. محمد البرادعي"، والاثنان كانا في مرمى نيران وسخرية المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، مذكرين بما فعلاه تجاه جماعة "الإخوان المسلمون"، في العام الذي تولوا فيه الحكم، مقابل صمت القبور تجاه أداء الرئيس السيسي، وإن كان للبرادعي تغريدات لا تسمن ولا تغن من جوع، لكن ما تصدر "محمد علي" للمشهد قام بتجاهل الأمر تماما، وهنا وجب ذكر موقف الكاتب والروائي "علاء الأسواني" الذي أيد "محمد علي" واعتبره بطلا شعبيا.

أي متابع للمشهد السياسي المصري، لا يخفى عليه تأثير جماعة "الإخوان المسلمون" في التنظيم والحشد، والمنصفون ممن عاصروا الأيام الصعبة وقت ثورة 25 يناير، يتذكرون جيدا وبعرفان أن ميدان التحرير لم يكن ليصمد، وقت موقعة الجمل لولاهم.

وهنا تثار عدة أسئلة:
- هل بقي من الجماعة أعضاء قادرون على التجمع والتنظيم؟
-هل تعمدت الجماعة التجاهل خاصة مع حالة "الشيطنة" التي مورست ضدهم على مدار ست سنوات هي عمر الانقلاب العسكري؟، ومن الجميع على السواء، من المؤسسات الرسمية وأبواقها الإعلامية، وكذلك من رفقاء الميدان على مختلف توجاهتهم، ويكاد يكونوا هم الفصيل الوحيد الذي دفع الثمن دما وتشريدا؟
-هل تصريح "محمد علي" برفض عودتهم إلى الحكم، ووجوب ابتعادهم عن المشهد لمدة خمس سنوات قد تطول لعشر سنوات، كان مدعاه لترك الساحة؟

هم فقط الذين يملكون الإجابة على تلك الأسئلة، ولكن من المؤكد أن حكما عسكريا مستمرا 65 عاما لن يستسلم أو يسقط في يوم أو يومين، نظام له سيطرة كاملة على مفصلات الدولة ومقدراتها، وخلفهم جيش من أصحاب المصالح والمنتفعين، والآكلين على كل الموائد ولن يتركوا كل هذا بسهولة.

ومن المؤكد كذلك أن "المقاول" قد ألقى حجرا حرك به المياه الراكدة، وأحيا أملا، ألقى ببذرة في أرض مازالت خصبة يمكن تغذيتها، والعمل عليها لتتحرك كرة الثلج وتكبر، فقط لو تم العمل مع الناس في الشارع والحواري والأزقة، في القرى والنجوع بالتوعية بما يستطيعون فهمه، حتى يزيد الزخم والرفض لاستمرار استنزاف البلد لمصلحة قلة.

Friday, July 19, 2019

كم احتمال قائم في لحظة واحدة ؟ ... سؤال فلسفي في إطار سينمائي بسيط "حب واحد وحياتان




بداية الفيلم متاح مترجم على عدة مواقع ألكترونية، مهتمة بالدراما التركية سواء التليفزيونية أو السينمائية منها. بنظرة سريعة على الإسم الذي أطلق على الفيلم، وقت مراحل الإعداد الأولى نجد أن الإسم الأول "إحتمال آخر" كان الأكثر ملائمة لفكرة الفيلم. أما "عشق وحياتان" لا يتلائم مطلقا مع القصة. وقبل الدخول في التفاصيل، أجد من الضروري القول أن هناك خطأ دعائي وقع، حين تم الترويج للعمل باعتباره "قصة حب جميلة"، رغم أن قصة الحب ليست هي الأساس ولا الرسالة.

على عكس الفيلم اليوناني "ماذا لو" إنتاج 2012 والمقتبس منه النسخة التركية، كانت الأزمة الإقتصادية التي عصفت بالبلاد في خلفية الأحداث ومحركة لها، أما النسخة التركية فقد جاءت بنظرة فلسفية، وذلك لفارق الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بين البلدين، ناقش العمل مجموعة من الأسئلة: "كم احتمال قائم في لحظة واحدة؟، ما هي المواقف التي تقولون فيها من الجيد أننا كنا هنا؟، أو اللحظات التي قلتم فيها ليتنا لم نكن هناك؟، كم عددها؟" .

"أوموت" مخرج دعاية وإعلان يرغب في الدخول لعالم الأفلام، ويعاني من اخفاقات متتالية لرفض مشروعه ومدان لمرابين بمبلغ كبير، رغم امتلاكه لثروة قيمة متمثلة في لوحات فنية، وشاشة عرض قديمة وأفلام كلاسيكية بنسخها الخام الأصلية. ويعاني على الجانب الآخر مع والدته المريضة بالزهايمر، والتي لا تتذكر من ماضيها سوى خيانة زوجها لها، وتحملها مسئولية تربية إبنها الذي كبر ولا تكاد تعرفه، عاش طفولة تعيسة بسبب غياب الأب، وبكى حين طلبت معلمته رسم عائلته.

يسير الفيلم في خطين متوازيين من حياة "أوموت"، الأول ماذا لو قرر التجول مع كلبه "أوسكار"، والثاني ماذا لو بقي في المنزل وواجه المرابين. في الخط الأول يبدو مسيطرا على مجريات حياته بشكل كبير، وإن كانت تشوبها أنانيته ورغبته في تحقيق حلمه بإخراج أول فيلم. يندمج في علاقة عاطفية لم تكن خطواتها وتطوراتها بقناعة حقيقية منه لكنه دفع لها دفعا، انتهت بالزواج والإنجاب، ويعتقد أنها العائق القوي نحو عدم تحقيق حلمه، وفي أحد مراحل الهروب من الفشل المستمر يخون زوجته.




على الجانب الموازي أو الاحتمال الآخر، هو نفس الرجل انقلبت حياته رأسا على عقب، بعد شجار عنيف مع المرابين انتهى بمحاولة قتله، ويعيش علاقة مع إمرأة متزوجة، يغلب عليها الشهوة، يحياها وكأنه يعاقب نفسه في سقوط يليه سقوط. الإبتسامة صفراء تخفي ورائها بركان غضب لشخص خانته أمانيه. يحاول أن يلملم أشلاءه ويستعيد حياته، وإيجاد حلول لمشاكله المالية، وكانت لحظة موت أمه بمثابة جرس إنذار وإفاقة . خاطبت الطفل الذي تتذكره بألا يحتفظ بألعابه لنفسه. واستمرت محاولاته حتى نجح في العثور على ممول لفيلمه الأول "الرياح"، وبدأت حياته تسير نحو الاستقرار.




رغم البعد الفلسفي وعمق الرسالة والأسئلة المطروحة بلا إجابة، إلا أن الإطار الذي قدم فيه الفيلم لم يكون صعبا أو غامضا، وتلك ميزة قوية تحسب له. الانتقال بين الحكايتين كان سلسا وسريعا دول لحظة ملل واحدة، أو الشعور بالابتعاد عن فكرة العمل والاسترسال.

لم يكن اختيار إسم "أموت" وتعني بالتركية "أمل" عبثا، حيث كان لا يكف عن المحاولات لإخراج فيلمه للنور رغم لحظات الإنهزام واليأس التي تصيبه. كذلك إسم البطلة "دينيز"، وتعني "البحر" وأنها مهندسة معمارية. بأمواجها وعنفوانها وحركاتها الطفولية أحدثت تغييرات جذرية في حياته، كان أقواها أنه عرف معنى الأبوة والأسرة وأنها الأهم وسط حياته المبعثرة.

مشهد المواجهة بين "أموت" و "دينيز" في الكوفي شوب، وعرض التطور الزمني في العلاقة، لخصتها الكاتبتان في عبارات مختصرة معبرة، عالجها المخرج في مشهد وحيد مبدع بلقطات متتالية جمع فيه فصول السنة الأربعة، وهو من المشاهد مع غيرها التي برز فيها بشكل كبير براعة المونتاج.

مشهد قيام "أموت" بحلق شعره يعتبر من أصعب مشاهد العمل، أي خطأ ولو بسيط في التقمص والاندماج سيكون مكلفا. وهو ما أعتبره "ماستر سين" لهذا الفيلم.





تنفيذ مشهد الرسوم المتحركة والرسالة التي حملها كان على مستوى تقني عالي.



الموسيقى التصويرية والأغاني كلا منهما كانا في محلهمها تماما، حتى صوت الرياح والمطر، ولم تكن التغيرات في الموسيقى بين الاحتمالين وبين الشخصيتين حادة.

حين تم الإعلان على إسم بطلة الفيلم "بيرجوزار كوريل" كشريكة ل "إنجين أكيوريك"، كتب كثير من المتابعين ومن جمهور النجمين أنفسهم أن التناسق بينهما صفر، نظرا لملامح البطلة التي تبدو أكبر من عمرها وكذلك لطول قامتها، في حين كتب آخرون عن وجوب الانتظار لحين رؤبة العمل. بينما كانت فرحتى عارمة، فحين يتوافر نص قوي بيد مخرج مشهود له بالتمكن، يضاف لهما ممثلون بارعون فلابد أن تكون النتيجة مبهرة. فقد فعلت الكيمياء بينهما فعلتها وكان التناسق والتكامل عاليين وظهر مدى التفاهم والارتياح بينهما على الشاشة.

شاهدت ثلاثة أعمال ل "بيرجوزار كوريل". ممثلة تفهم معنى المهنة جيدا ومعنى التقمص ولا تعير اهتماما لأنقاتها وجمالها، بقدر العناية بالدور ومتطلباته. لا تمانع في الظهور دون مساحيق التجميل، ولا تمانع في الظهور مهملة الملابس بشعر أشعث. تتماهى تماما مع الشخصية. هي باختصار تجيد الصنعة.

"تليق به الأدوار الصعبة" جملة جاءت على لسان الممثلة التركية المخضرمة "نبيهات شهري" واصفة "إنجين أكيوريك" عن واحد من أقوى أدواره والبطولة الأولي "مصطفى بولوط" في مسلسل "لو أكون سحابة". وهو ما ثبت حرفيا.
"على بيلجين" مخرج العمل صرح بأنه بعد مشهد "حلاقة شعر الرأس" لتصوير الاحتمال الآخر، تغيره مزاجه في الكواليس بشكل كبير. وأضاف أن الدور بمعايير تركيا لا يصلح له سوى "إنجين أكيوريك".

أجاد تماما في إحداث الفوارق المزاجية بين "أموت الأناني الحائر المحبط" وبين "أموت الضائع المحطم". بينما كان الأول ترتسم على وجهه ابتسامة زائفة للسعادة والرضا، والزوج المحب النادم على أخطائه، والأب الحنون. كان الآخر يبتسم مضطرا، معاناته بعد وفاة كلبه، الشعور بالضياع، العلاقة الحسية التي يحياها كعبء يثقل كاهله، حتى ظهر الطفل المختبئ داخل الجسد الشاب لحظة وفاة أمه، لينطلق المارد ويعيد ترميم نفسه بنفسه من جديد.

باختصار كلمة "إبداع" و"عبقرية" لن تضيف جديدا لفنان حريص على التنوع والاختلاف في كل عمل يقبل به، وفي كل شخصية يتحمس لها، وفي كل رسالة يتبناها. يحاول السباحة عكس تيار الدراما التركية وتيمتها التي أصبحت محفوظة لمتابعيها، حتى أنها أصبحت مثارا للسخرية.

مشهود له بالعمق والسلاسة في الأداء معا، تتطاوعه عضلات وجهه في التنقلات بين التعبيرات المختلفة في الثانية الواحدة، لا يحتاج للتعصر أو للانقباض كي تنساب دموعه فتقمصه يكفي لتسيل ببساطة.

ما لم أستطع فهمه هو لماذا لما تشارك شركتي الإنتاج بهذا الفيلم في المهرجانات الدولية؟، سؤال حرت في الحصول على إجابة شافية وفشلت. عادة ما يقال أن أفلام المهرجانات عصية على الفهم لدى المشاهد العادي. لكن هذا العمل جمع بين الحسنيين، فيلم ذو فكرة مع بساطة وإبداع في التنفيذ سهل الفهم.

وتبقى في النهاية رسالة العمل "بدلا من البحث عن السعادة، اتركوا أنفسكم لمسار الوقت".

Thursday, May 24, 2018

Cocuklar Sana Emanet ويعمل إيه الأداء القوي في سيناريو ضايع:



العتاب سيكون على مستوي توقعاتي من الفيلم لهذا ربما سأكون قاسية لكنها بدافع تقديري لموهبة في حجم إنجين أكيوريك ومخرج قرأت عن إبداعاته الكثير. فالطريق إلى الدراما السيئة مفروش عادة بالنوايا الطيبة و ليس كافيا أن تكون الفكرة قوية والقضية هامة حتى ينجح العمل ولكن الأهم هو التنفيذ والإطار الذي تقدم فيه لأن سذاجة التناول قد يضر بها، بل أحيان أخرى تتفوق الفكرة البسيطة المقدمة بغرض التسلية على نظيرتها القوية بسبب براعة التنفيذ وتماسك السيناريو.

"كرم" مهندس معماري ناجح ومتميز وله لمساته الخاصة في مجاله، متزوج لكن لدى زوجته صعوبات ناحية الإنجاب والموضوع يؤرقها بشدة وتسعى بكل جهدها لتجرية كل الوسائل المتاحة لتحقيق حلمها وهو يتعامل معها بحب وبصبر جميلين.

في محاولة للتخفيف عنها واخراجها من حالتها النفسية يسافران إلى منزلهم في قرية "أستوس" بعيدا عن اسطنبول  وعلى الطريق يظهر طفل فجأة ليصطدم به وتتحول العطلة لكابوس بعد وفاة زوجته والطفل جراء الحادث ليطارده بعدها شبح رجل وطفل بشكل متوحش، ومع استمرار المطاردة يقترح عليه صديقه أن يذهب إلى معالجة في قرية أخرى لديها قدرة على رؤية تلك الأشباح رغم فقدانها للبصر. لاحقا تستطيع كشف سر احتفظ به منذ طفولته وهو قيامه بقتل رجل اعتاد التحرش بالأطفال والإعتداء عليهم وفقد صديقه جراء ذلك. وبالفعل تستطيع مساعدته لكنها تذهب ضحية هي الأخرى أثناء إنقاذه.



 
"عصب" العمل الدرامي هو السيناريو "الورق"، من عنوان الفيلم "الأطفال أمانتك" أن الأمر متعلق بالأطفال بالأساس والقضية التي يريد طرحها هي التحرش والإعتداء الجنسي عليهم لكن هل تمت مناقشة الفكرة وأبعادها وتقديم الحلول؟ بنظرة على الفيلم أقول بكل ثقة للأسف لا.

ما شاهدته طوال الفيلم قبل المشهد الرئيسي أو ال Master Scene  وهو لحظة مواجهة المعالجة لكرم بجريمته طفلا; مجرد حياة عادية لأي زوجين تلاها زوج  شبه محطم بعد وفاة الزوجة في حادث السيارة ثم مطاردة شبحين للزوج الأول للطفل الذي قتل في الحادث والثاني لرجل بالغ مطموس الملامح ظننت طوال الوقت أنه والد الطفل المكلوم وما أكد لدي هذا الشعور هو نظرة الوالد لكرم بعد تبرئة المحكمة له وشهادة الشهود أنه التزم بآداب وقوانين القيادة وأن الطفل هو من ظهر أمامه فجأة قبل أن يتضح أنه المتحرش السابق.



 
لا أدري لم توارد في ذهني الفيلم المصري "النظارة السوداء" وشخصية "مديحة" في الجزئية المتعلقة بالمقطوعة الموسيقية الغربية التى صاحبتها في المرحة الأولى من حياتها وكيف أصبحت نفس المقطوعة معبرة عن الضغط العصبي حين بدأت حياتها تسير في منحنى آخر وكيف حولها المخرج حسام الدين مصطفى من مقطوعة راقصة إلى مصدر للإزعاج والألم. ربما كنت أتمنى لو أن "شاغان إيرماك" قدم شيئا مشابها لشخصية كرم فربما كانت تعطي بعدا أعمق وأكبر للقضية.



 
كان يجب أن تظهر أية علامات، بوادر أو الغاز مصاحبة لأحداث الفيلم تكون على علاقة بقضيته وتتصاعد تدريجيا حتى يحدث مشهد إعترافه بجريمته وأسبابها التأثير المطلوب بدلا من أن يظهر المشهد بتلك السذاجة وتبدو القضية مقحمة وفردية متعلقة بالمهندس فقط وليست ظاهرة تعاني منها مجتمعات كثيرة وعلى رأسها تركيا:

·        كأن يكون تعامله مع مشكلة تأخر إنجاب زوجته بهذا الهدوء - إضافة لحبه لها - نابعا من خوفه أن يتعرض أبنائه لنفس ما تعرض له صديقه.
·        أو أنه قام بشكل غير مقصود بانقاذ طفل كان على وشك أن يتعرض للإعتداء.
·        أو أن يكون لصديق طفولته تأثير لازمه في مراحل عمره وليس مجرد ذكرى يكفيها قيام "كرم" برعاية الأزهار على قبره كما ظهر في بداية الفيلم، أما ما دار على لسان زوجته وهي تقارن حالها بحال من أنجبت كان لايعدو كونه مقارنة بين تعامل من اعتاد على النعمة ومن يشعر بألم الحرمان ليس إلا. 


 إضافة لما سبق لدي عدة تساؤلات وملاحظات تتعلق بالحبكة:
·        لماذا ماتت زوجته في الحادث وقد كان من الممكن أن تستمر الأحداث بوجودها ليقوما بتربية "عمر" معا؟
·        لماذا لم ينتقم منه الشبح حين شاهده للمرة الأولي في ممر المستشفى؟
·        لماذا ماتت الجدة؟ هل ليكون هناك سبب أن يعتني "كرم" بـ "عمر" ؟ حتى تلك كان من الممكن إيجاد مخرج لها كأن يكون الطفل بلا أهل أو عائل وهي تولت رعايته!!!
·        لم أجد رابطا أو سببا مقنعا بأن تطارده الأشباح بعد حادث السيارة وكان الأكثر منطقية أن يطارده شبح الرجل البالغ مبكرا قبل أن ينضم إليه الطفل القتيل حتى تترسخ فكرة حادثة الإعتداء الجنسي وليس حادث انقلاب السيارة قبل الإعتراف.
·        لم أشعر أن قضاء "كرم" على الشبح هو قضاء على الخوف بداخله والتطهر وبناء نفسه من جديد.
·        عدم منطقية توقف الطفل القتيل عن مطاردة "كرم" ومطالبة والده بعدم الإنتقام منه.
هل معنى ذلك أن العمل كان بلا إيجابيات بالطبع لا لكنها في مجملها لم تستطع أن تضيف للقضية التي يطرحها العمل:
·        كادرات شاغان إيرماك عبقرية لوحات بصرية مرسومة ظهرت فيها جماليات "أستوس" والقرى المحيطة.
·        الإضاءة وألوان الصورة كانت مناسبة تماما مع كل مشهد.
·        الإنتقال السلس بين المشاهد والقطع في مكانه تماما.
·        المؤثرات البصرية كانت متقنة في مجملها، أقلها هو مشهد قضاء "كرم" على الشبح.
·        المطرقة: هي أداة الجريمة وهي الحل .. دور البطولة مجددا كما جاء في الفيلم.
·        الحوار كان جميلا موحيا في مجمله لكن أبرزه:
-         مشهد كرم وزوجته في المطعم
-         حوار كرم عند قبر صديق طفولته
-         مخاطبة كرم للطفل القتيل عند قبره



بالنسبة للأداء فقد أجاد الجميع بما فيهم الأطفال ولن أضيف جديد بخصوص إنجين أكيوريك وذوبانه المعتاد في كل دور يلعبه واتحاده الكامل مع الشخصية من الداخل والخارج فمع كل شخصية "لوك" جديد لأنه يجيد تماما التعامل مع ملامحه ولكن في بعض اللقطات لم أشعر بسيطرته على الشخصية كما عودنا وكأنه يؤدي من الخارج.


Wednesday, October 25, 2017

شيخ جاكسون ..................... رؤية نقدية


"تجديد الخطاب الديني" موضوع الساعة وهل الدين ضد الحياة بشكل عام أو الفن بشكل خاص ؟ الفيلم يدور حول هذه الفكرة ولكن في قالب درامي سينيمائي وتدور أحداثه على خلفية خبر وفاة "مايكل جاكسون" 

"خالد" طفل يعيش صراع بين والديه ونظرة كل منهما تجاه المطرب "مايكل جاكسون" فبينما الأم تحب أغانيه نجد الأب يرفضه تماما ويصفه دائما بالمخنث "ما تعرفش ده راجل واللا ست" بنص الجملة على لسان "ماجد الكدواني" ، يحسم الطفل الصراع لصالح والدته ويعيش على حلم الإقتداء به خاصة حين قابل زميلة الدراسة في فترة المراهقة تشاركه في حب "جاكسون" وتحفظ أغانيه وأراد أي يلفت انتبهاها حتى أنه قام بإطالة شعره مثله وتعلم رقصته الشهيرة رغم تضييق والده الشديد عليه وقيامه بإهانته وضربه أكثر من مرة وإزالة باب غرفته تماما حتى لا يتدرب على رقصته أو يرتدي ملابس شبيهة به.

 
بعد وفاة الأم ينتقل الصبي لبيت الخال ليجد حياة مختلفة كلية من الأب صاحب العلاقات النسائية المشينة رغم محاولته - في تناقض صارخ – أن يجعل ولده رجلا بادعاء الأخلاق إلى الخال التائب حسب ما ذكر خلال العمل لتتحول حياته بشكل مغاير تماما ، تحول لشيخ سلفي ارتدى الجلباب القصير وأطلق لحيته والسواك لا يكاد يفارق يديه وينام أسفل سريره فيما يشبه القبر ليتذكر الآخرة وزوجة منتقبة وله طفلة يربيها على الأغاني الإسلامية ومصدر رزقه إمامة أحد المساجد وتسجيل الدروس الدينية وبيعها ويتابع زميلة المراهقة خلسة والتي أصبحت عازفة معروفة.

فجأة لا يجد نفسه خاشعا في صلاته ولا يبكي كما في السابق ويطارده خيال "مايكل جاكسون" في صلاته وأثناء قيام الليل فيبحث عن العلاج النفسي بناء على نصيحة لصديق !!!! ويفاجئ بأنها طبيبة نفسية غير محجبة وليست طبيب حيث أن إسمها مشترك وبعد تردد لا يستمر لثواني يقرر الإستمرار في جلسات العلاج  !!!!
علامات التعجب من عندي لأنه ألم يكن الأجدر به أن يبحث في البداية عن العلاج بالقرآن أو يتحدث لأحد الشيوخ ؟


الفيلم يقدم حياة ذلك الشاب قاتمة لا روح فيها عبرت عنها الإضاءة بشكل كبير فكانت أغلب المشاهد مظلمة باهتة ، استخدم "عمرو سلامة" الرمزية لرفض الشاب الإهتمام بحياته وتركيزه على الموت فقط حين جعله دائم الرفض أن يقوم باستكمال ترتيب الأثاث في منزله وتركه مغلفا داخل الصناديق رغم الحاح زوجته الدائم ، وكذلك غابت الموسيقى التصويرية في المشاهد الخاصة بالشاب وحياته بعد تدينه .

أدان الفيلم كلا الطرفين : الأب صاحب النزوات مدعي الأخلاق أمام إبنه وأدان أيضا السلفيين ورفضهم للفن وهو ما اعتبره المؤلف رفضا للحياة ذاتها وتناقضهم باستخدامهم الألحان الشهيرة وإعادة تسجيلها على شرائط كاسيت بكلمات دينية وهي نقطة جيدة تحسب للعمل .

المشاهد الخاصة بالجانب السلفي لم تكن موفقة من وجهة نظري لأنها لم تتضمن أفكارا متطرفة أو شاذة كالتي يروجونها دائما بل ما قيل على لسان أبطال العمل هو من صحيح الدين لكن تم وضعها في إطار قاتم و في نفس الوقت وجبت الإشادة بدور الزوجة "عائشة" الذي أدته باقتدار على بساطته "أمينة خليل" حيث ظهرت الشخصية جميلة وهادئة تعين زوجها على قيام الليل لكن لا تحمل نفس التضييق الذي فرضه على نفسه وظهر ذلك في تعاملها مع عقلية طفلتها الصغيرة وصعوبة تفهمها لتشدد والدها فأعادت وصلة الإنترنت دون علمه .

مشهد الختام كان موفقا : "خالد" يتسلم صندوق يحوي مقتنياته القديمة ملابس شبيهة بملابس جاكسون وقبعته ويعود ليقرر استكمال ترتيب منزله لتدب الحياة في المنزل وتختفي الإضاءة القاتمة وحين تتركه زوجته ليقيم الليل كما اعتاد دمج "عمرو سلامة" الشخصيتين معا "خالد" بملابسه كسلفي مرتديا قبعة "مايكل جاكسون" ليؤدي رقصته الشهيرة في رسالته التي أرادها أن لا تعارض.


أحسن "عمرو سلامة" صنعا حين وقع اختياره على "أحمد الفيشاوي" فقد ساعدته الفترة التي قضاها برفقة عمرو خالد والتي ظهرت في قراءته الجيدة لآيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وتقمص بحرفية أسلوب السلفيين في التحدث وأيضا يحسب لأحمد الفيشاوي أن لحيته طبيعية ولم يستخدم اللحى الصناعية كباقي الفريق السلفي وهي نقطة كنت أتمنى أن ينتبه لها عمرو سلامة.

ماجد الكدواني صاحب أداء عبقري وهو ينتقل بسلاسة بين الرجل صاحب النزوات والأب المربي نستطيع أن نقول أنه كان الحصان الأسود في الفيلم وأضاف بأدائه لمسة كوميديا وخفة ظل مطلوبة.

"أحمد مالك" شاب واعد أجاد تماما في مشاهده وهو يحاول تقليد رقصات "جاكسون" وأجاد حين جسد مشاهد المراهق المقهور من والده وأجاد في مشهدي المواجهة بينهما ويحسب لعمرو سلامة اختياره له هو وأحمد الفيشاوي وكان مبهرا التشابه مع انتقال المشاهد بينهما  فلم أشعر بغربة خاصة وأن السرد لم يكن متسلسلا .


نقطة أخرى تعتبر تفصيلة صغيرة لكنها هامة تم التعامل معها جيدا وهي أن طفولة "خالد" ومراهقته لما تكن أجهزة المحمول قد تم اختراعها وكان شائعا وقتها استخدام شرائط الكاسيت وأجهزة "الووكمان" التي يحملها الطلبة.
الفيلم في مجمله عمل جميل وجديد وناقش بحيادية ولم يغرق في التفاصيل .