Wednesday, October 28, 2015

إعترافات العقيد نادر - حلقة (1) .......................... أحمد جمال



فى أواخر السبعينات من القرن الماضى كان نادر طالباً مجتهدا متفوقا بالصف الأول الثانوى يواظب على حضور جميع الحصص ، بينما أنا وبعض زملائى نعشق الحصص الإحتياطى والتزويغ بأى حجة
كان نادر يحرص دوماً على الجلوس فى التختة الأولى كل سنة طوال سنين المرحلة الثانوية بينما نحن نذهب للصف الأخير بمنتهى الأريحية حيث ننشد راحة البال والهدوء بعيدا عن صراخ المدرسين.
وبالطبع كان نادر يمنح كل إنتباهه للمدرس وإذا سأل المدرس أى سؤال تجده أول من يرفع يده ليجيب فى همة وثقة ، بينما أنا وزملائى فى الصف الأخير من الفصل نراقب مايحدث فى تعجب وبلاهة أحيانا. ونتسائل كيف أستطاع نادر الإجابة على هذ السؤال أو ذاك .سبحان الله
ورغم تفوق نادر إلا أنه كان متواضعا وعلاقتنا به كانت ممتازة ورغم أننا لسنا من نفس مستواه العلمى إلا أن نادر كان طيب القلب ويساعدنا فى حل بعض مسائل الفيزياء أو الرياضيات الصعبة وكان لايتأخرعن مساعدة أى زميل ولذلك كنا نحن طلاب التخته الأخيرة نحترمه ومستعدين لحمايته من غلاسة أى طلبة صيع من فصول جنبنا بيحقدوا عليه بسبب تفوقه ومدح المدرسين فيه
كان مدرس اللغة العربية الأستاذ عبد الحميد رحمة الله عليه ، يعتبر نادر الواجهة المشرفة للفصل والمُنقذ لكرامته أمام الموجهين ، لذلك عندما علم الأستاذ عبد الحميد أن الموجه الأول الغلس ( أعطية ) قادم للتفتيش على الفصل ، قرر أن يطلب من نادر الإنتقال مؤقتا للجلوس فى أخر تخته بجوارنا أثناء تلك الزيارة المخيفة.
وبالطبع لاقى هذا القرار منا نحن سكان الصف الأخير فى الفصل أشد الترحيب فأستقبلنا نادر إستقبال الأبطال الفاتحين وأجلسناه فى وسطنا ونحن نشعر بالأمان والقوة فى مواجهة هذا الموجه المُعقد .

وكان أ.عطية موجه أول متكبر مغرور لاتقر له عين ولا تنفرج أساريره إلا إذا نجح فى إحراج مدرس الفصل وأثبت له أن الفصل مستواه ضعيف جدا وفاشل، وكثيرا ما أوقف الموجه الطلاب أمامه عاجزين عن الإجابة على أسئلته العويصة وهو يبتسم فى خبث وينظر للمدرس بتشفى.
وكان أ.عطية دائما عندما يطرح الأسئلة الصعبة يتبع خطة شريرة وهى أن يتجاهل كل الطلاب الشطار الذين يرفعون أصابعهم للإجابة عن السؤال من الصفوف الأولى ، ثم يمشى ببطىء إلى منتصف الفصل وهو ينظر إلينا نظرة فاحصة تبحث عن اللص كمخبر مباحث ثم يختار أحدنا من التخته الأخيرة فى ثقة أنه لن يجيب على السؤال المعقرب

كان هذا الأسلوب فى التصيد لطلاب أخر تخته من أ.عطية يستفزنا جدا فى ونعتبره نوع من التعدى علينا ، لأننا نحن طلاب التخته الأخيرة كنا بالطبع فى معظم الأحوال لا نجيب على أى أسئلة صعبة ولا حتى سهلة ، 
وكنا نعتبر مجرد إختيارنا الجلوس فى التخته الأخيرة، هو إعلان واضح وصريح جدا من طرفنا بأننا لن نشارك فى أى نشاط علمى بالفصل وعلى جميع المدرسين والموجهين إحترام ذلك وتركنا فى حالنا ، فنحن مثل مراقب مباريات كرة القدم من المدرجات مهما حدث لن يشارك فى الملعب. 
وعندما كان الموجه يسألنى كنت أنظر له بإستغراب وأستنكار ولسان حالى يقول: يافتاح ياعليم هوالسؤال ده فى المنهج ؟ ولا أنت بتستعبط ياعطية؟
وبالفعل أختار الموجه أ.عطية الطالب "نادر" الجالس فى منتصف التخته الأخيرة للإجابة عن السؤال اللوذعى المعقرب عن المحسنات البديعية فى نص شعر جاهلى لم أسمع عنه من قبل فى حياتى القصيرة بالتعليم
وكم كانت صدمة ودهشة أ.عطية عندما أنطلق "نادر". فى الإجابة عن السؤال بكل تمكن .. بل وقال للموجه ناصحا فى أخر إجابته أن هذا السؤال من خارج المقرر لأن النص الذى سأل عنه الموجه كان مقررا على طلاب العام الماضى وتم إلغاءه هذا العام ، وأيد كلام "نادر" مدرس اللغة العربية وأخرج للموجه النشرة التى وردت من الوزارة بتعديل المنهج وإلغاء هذا النص
فبُهت الأستاذ عطية وفقد القدرة على الجدال وأنسحب من المواجهة مع نادر تجنبا لمزيد من الإحراج ولم يأتى للفصل مرة أخرى حتى أخر العام.
مضت أجمل أيام الثانوى سريعا ، ونجحنا والحمدلله ، وذهب كل منا إلى كلية ، بينما تفوق نادر على المدرسة كلها وحصل على المركز الأول ، وألتحق بالكلية الفنية العسكرية التى كانت فى ذلك الوقت أعلى شأن وأكثر مكانة من كلية الهندسة ويتخرج منها الضابط كمهندس متخصص فى العلوم التى تخدم تطور الجيش، وأنقطعت أخبار نادر ولم أعد أعرف عنه شيئاحتى الشهر الماضى. 
حيث لمحت نادر وقد أصبح فى أواخر الأربعينات من العمر ولكنه أحتفظ بكثير من ملامحه وقت الثانوى عدا صلعة خفيفة وتمدد الكرش قليلا للأمام ، كان يتمشى فى بطء داخل أحد المولات الشهيرة بعباس العقاد ، وبجوارة سيدة محجبة تبدو زوجته ، لم أستطع تجاهل أنه نادر زميل الثانوى المتفوق الطيب، فغيرت أتجاه المشى ناحية اليمين بحيث نتقابل انا وهو بالمواجهة فى الممر بعد لحظات ، وبالفعل وجدت نادر ينظر لى أيضا ويبتسم وكأنه تذكرنى فأبتسمت وقولت ل
_ نادر ابن الناس المتفوقين أزيك فاكرنى 
_
طبعا فاكرك ، أزيك يا أحمد عامل أيه 
_
الحمدلله ، ياااه فينك ياراجل والله وحشتنا ، دى كانت عشرة 3 سنين ياعم مش يوم ولا أتنين 
_
والله وحشتونى أنت وكل زمايلنا ، بس أعمل أيه ماأنت عارف أنا من ساعة مادخلت الفنية العسكرية وأنا أنشغلت خالص.
وبعد التحيات والسلامات وتبادل لأخبار وإستحضار بعض الذكريات وتبادل أرقام الموبيل أستأذنت من نادر الذى عرفت أنه أصبح برتبة عقيد مهندس وأتفقنا على اللقاء مرة أخرى فى وقت أخر مناسب للجلوس والتحدث عن ذكريات الثانوى وأحوالنا الأن.
وبالفعل بعد مضى حوالى أسبوع لقيت رقم نادر بيرن على موبايلى وقالى عايزين نتقابل يوم الجمعة بالليل ونتكلم ، وبالفعل كنت متلهف للقاء العقيد نادر ، والتحدث معه أحوال كثيرة تخصالأوضاع الحالية وعندى يقين أنه سيتكلم بصراحة من القلب لأنه إنسان طيب القلب وعلى خلق منذ نعومة أظفاره...

يتبع ....

الحلم والمبدأ .........



كلماتى

أداء صوتى : حاتم عبد الحليم

Sunday, October 18, 2015

بعد طرحك م الحساب ... للعساكر والكلاب




بعد طرحك مالحساب للعساكر والكلاب
والأرانب والفيران
والأجانب والغيلان
والأرايل والقرون
والمرايل والدقون
واللي فاضل يا أفاضل هو ده تعداد وحصر
للعيال اللي جابتهم
في الحلال الست مصر

The Last Castle





كولونيل وينتر (James Gandolfini) يشرف على سجن عسكري كل نزلائه من البحرية الأمريكية تختلف مراكزهم العسكرية من العريف إلى اللواء يقضون فترة عقوبة بسبب سوء أداء أو مخالفة أوامر ، هذا الجنرال لا يحترم تاريخهم العسكرى ويتعامل معهم كمجرمين ويتعمد إذلالهم والسبب كما يدعي هو الحد من محاولات الهروب من السجن من قبلهم بداية من طلب الإنبطاح مرورا برش المياه حتى استخدام الهليوكوبتر وإطلاق الرصاص الحي .

يأتي إلى السجن جنرال إيروين (Rovert Redford) بتهمة إرتكاب خطأ فى أحد المهام المسندة إليه ولا يخفى الكولونيل إعجابه به وبأحد مؤلفاته والتى يحتفظ بنسخة منه فى مكتبه وعند استقابله للكولونيل فى مكتبه نأتي للمشهد الذى يكشف سبب الأسلوب الذى يتبعه كولونيل وينتر مع هؤلاء السجناء العسكريين وكما يطلق عليه أهل السينما ال Master Scene :

كولونيل وينتر يحتفظ فى مكتبه بتذكارات من الحروب المختلفة كفوارغ الرصاص أو حجارة من أرض المعركة فكان تعليق جنرال إيروين أن من يحتفظ بمثل هذه الأشياء لم يخض معركة على الأرض يوما ما لأن الحرب والدم ليسا شيئا جميلا كما يعتقد !!! وهنا تظهر حقيقة كولونيل وينتر في حقده وحنقه على سجنائه !!!!
ألا يذكرك هذا بشئ أو بشخص؟

أثناء إقامة جنرال إيروين والتي كان يرجو أن تكون هادئة بأن يقضى مدة العقوبة ويمضي يرى ويلاحظ سوء المعاملة وحتى بعد أن يتخذه السجناء رمزا لهم ويبتكرون تحية خاصة به بسبب قوانين السجن التي تمنع إلقاء التحية العسكرية بين السجناء على اختلاف رتبهم لا يتغير موقفه بقضاء مدته والانصراف ، لكن يقتل (بضم الياء) عقيد رفض إطاعة أوامر قائد السجن بهدم تل الحجارة أمام ناظريه وهنا يقرر عدم السكوت وتصعيد الأمر لإزاحة هذا الكولونيل من منصبه والإتيان بمن يقدر قيمة الإنسان ويعاملهم بما يليق .

لن أخوض فى تفاصيل الخطة التى وضعها جنرال إيروين والتى نفذها بمعاونة السجناء لكنى سأقف عند تفصيلة صغيرة فى تلك الخطة : فقد واجه الجنرال إيروين الكولونيل وينتر بأنه سيعمل جاهدا على إزاحته من إدارة السجن ، فاختار الكولونيل كابتن طيار سجينا مقامر وطلب منه التجسس له لمعرفة ما يدبره الجنرال ... وهنا نأتى إلى لقاء الجنرال مع الكابتن ومكاشفته بتوقعه أن يطلب منه قائد السجن التجسس عليهم وقال له : هو يستغل أسوا ما فيك وأنا أريد أن أستغل أشرف ما فيك .. فاختر وجهتك .

لسان حال كل ديكتاتور ظالم هو استغلال أسوأ ما في البشر إما المال أو النساء أو المناصب أو أية منفعة ليكونوا له عونا وليمدوا من إقامته سنين .

الفيلم ملئ بالتفاصيل الجميلة والحوار الممتع والثمن الذي دفعه السجناء حتى نالوا ما أرادوا .

Thursday, October 8, 2015

ضل حيطة ....... !!!!!!



فى الصباح أثناء ذهابها لعملها فى المدرسة أخبرتها أمها أن هناك عريس سيقوم بزيارتهم آخر الأسبوع ... كانت تخبرها وسعادة تملأ وجهها بهذا الحدث الذى لا يتكرر فى حياتها إلا نادرا .

كانت على قدر بسيط من الجمال على عكس شقيقاتها اللواتى تزوجن مبكرا وأنجبن ، كان الكل ينظر إليها ويتعجب مقارنة بهن وكان يصل إلى مسامعها أنها بالتأكيد ليست من ذات الرحم التى أنجبت الأخريات ... كانوا يغلفون تعليقاتهم بابتسامات وضحكات فى محاولة فاشلة لتخفيف وقع الكلمات عليها وكانت تنظر إلى الأرض خجلا لا تجد ما تجيبهم به .

انتظرت من أمها العكس حتي تواجه المجتمع والناس لكن وجدت منها القلق المستمر والخوف من أن تكمل ابنتها حياتها بلا زواج وتحول هذا القلق لعبء على أعصابها لأنها كانت تفرغ هذا الخوف والقلق عليها سوء معاملة ونظرات حسرة فارغة من أى عطف غالبا وقليلا ما كانت تحتويها مما أوصلها لأن تعتقد أنها صدقا وحقا ليست من ذات الرحم .

ومع بلوغها الثلاثين تحولت النظرات اليها من الجميع الأهل والأصدقاء والمعارف والجيران ... لا يراها أحد إلا ويدعوا لها بالزواج وأن يأتى العام القادم وهى فى بيت زوجها .

دعوات تراها لطمات على وجهها وتذكيرا بفشلها كأنثى جاذبة للرجال أكثر منها دعوات ... هى بلا قيمة لها إلا بخاتم فى إصبعها .. كانت تبتسم خجلا وتتلعثم وتتخبط فى مشيتها وتمسك بخصلة شعرها إلى وراء أذنها وتذهب إلى حجرتها لتمر عليها الساعات سنوات انتظارا للصباح حتى تذهب إلى العمل ... أيام الإجازات كانت تمر عليها كالدهر .

المدرسة هى المكان الوحيد الذى لا تود تركه وتتمنى لو كانت مدرسة داخلية لتغيب أطول فترة ممكنة و لتتجنب النظرات المتعاطفة والإيحاءات وجمل الرفق بحالها التى تلاحقها أينما وجدت حتى مع زميلاتها اللواتى كن يدعين عدم سعادتهن وأن الزواج لم يضف لهن شيئا .

هذا غير صديقاتها ، زاملنها فى عنوستها زمنا حتى إذا تزوجت إحداهن تغيرت لهجتها من الإحساس بقسوة المجتمع وقسوة نسائه عليهن لتأخر الزواج إلى إبداء نفس النصائح التى تسمعها ممن حولها .

منطلقة مع تليمذات فصلها وكان الحب بينهن متبادلا .. مادة التاريخ هى ما تحب وتهوى ورغم أن مجموعها كان يؤهلها لكلية من كليات القمة لكنها أصرت على دخول الآداب ودراسة التاريخ ، كانت تحلم بأن تؤلف كتابا تطرح فيه رؤية أخرى للتاريخ ولأحداثه .

تعرف جيدا كيف تجعل من التاريخ تلك المادة الصماء حياة نابضة ملئى بالحركة والروح ... كانت تستغل فيها قدرتها على الحكى وأخذ العبر من أحداث الماضى واستشراف المستقبل .

كانت تتواجد قليلا فى غرفة المدرسات وتقضى فترات الإنتظار بين الحصص فى غرفة الموسيقى كلما أتيح لها ذلك مع المدرسة الجديدة التى فتحت لها المجال لتتعلم البيانو وتدندن ... صوتها لم يكن جميلا ولا نشاذا لكنه مسموع حسب ما كانت تحدثها مدرسة الموسيقى التى كانت تشيع جوا من البهجة والسعادة حولها وكانت دائمة السخرية من كل شئ وأى شئ وكانت مخيفة فى آن ..

لم تستطع الباقيات أن تباريها وكن يخفن منها "لسانها عامل زى المبرد" .....  بعدما واجهت إحداهن مرة عن كيف لا تكف عن الشكوى من زوجها وفى نفس الوقت لا تكف عن شراء اللانجرى وتتفنن فيه :
- منين بتشتكى منه ليل نهار ومنين مش مبطلة شرا قمصان نوم عريانة ؟؟ خايفة نحسدك مثلا ؟؟

قالتها بلا حياء أو اختيار كلمات مناسبة لكنها عبرت عما يدور بعقلها هى طوال الوقت كلما تصادف والتقتهم أو اضطرت للتواجد معهم فى نفس الحجرة .

هى على النقيض منها تماما إجتماعية ومتكلمة وذات ذهن حاضر متقد وإجابات جاهزة فى أى وقت ومع أى شخص وفى نفس الوقت لا يعلم الجميع عنها سوى النذر اليسير.

كم تمنت أن تكون مثلها حتى تستطيع استمالة زميلها الذى تحبه فى صمت ... كم حاولت كثيرا أن تجد مجالا للحديث معه وتفشل يلازمها التلعثم وتهرب تجر أذيال الخيبة باكية من أنه بالتأكيد يسخر منها بداخله وتوقفت محاولاتها تماما مع ملاحظته اهتمامه بزميلة أخرى وكيف كان يتعمد التواجد معها بشكل مستمر .

الحنان الذى تفتقده كانت تعوضها به مدرسة الموسيقى رغم قلة حديثهما معا ..... هى وحدها كانت تشيد بتقدمها فى العزف وبصوتها وبوجهها وكانت تخاطبها متعجبة هل عدم الرجال عيونهم حتى يتغافلوا عن هذا الوجه الطفولى الملائكى ؟

كانت كلماتها تعزية ونسمة باردة فى يوم حار ولكنها لم تصدقها بل عزتها أنها كرم أخلاق منها وتشجيعا لا أكثر .

طوال ذلك الأسبوع فى انتظار العريس المجهول اضطربت وكثر تواجدها فى حجرة الموسيقى على عكس السابق مما لفت نظر زميلتها حتى أتى اليوم الموعود وظهر عليها التوتر الشديد .

لاحقتها زميلتها بالأسئلة حتى أخبرتها همسا وكأنه سر وحدث جلل بنبرة تحمل رعبا أكثر منها فرحة ...

واجهت عيني زميلتها لأول مرة وهى التى كانت تهرب من مواجهة عيون الآخرين ... كانت تبحث عن عينين مختلفتين تحملات حبا وليس تعاطفا ورفقا بالحال .... ووجدت ما أرادات ... وجدت في زميلاتها نقاء وحنان غريبين ، ابتسمت فى وجهها وقصت عليها ما تخفيه عن الآخرين ...

أنا مثلك وكنت فى موقفك يوما ما وتزوجت حتى أخرس ألسنة الناس وحتى لا أسمع كلماتهم التى تشعرنى بأنى مدانة وأنى السبب فى عدم زواجى والنتيجة مطلقة وأعول ولدين ... تزوجت ببخيل .. كان يعتمد على مرتبى للإنفاق ومرتبه ليدلل به نفسه ولا يهتم بالولدين ولو بشكل معنوى .

من كانوا يدفعوننى للزواج دفعا لم أجدهم بجانبى لمواساتى أو التخفيف عنى أو مساندتى فى تربية الطفلين ولم يتبق بيننا شئ لتستمر الحياة وطلبت الطلاق ...... لم أسلم منهم آنسة ولم أسلم مطلقة والنتيجة أنى سأعيش حياتى كما أراها لا كما يراها الآخرون .

أصابتها كلمات زميلتها بحيرة .... صوت واحد أمام عدة أصوات لاحقتها طوال هذا الأسبوع والحديث المتداول وكأنها أعجبت العريس المنتظر وقبل الزواج منها ولا أحد أبدى اهتماما أو وضع احتمالا لرفضها إياه .

جلست أمام مرآتها ولم تتكلف فى تبرجها وانتبهت للمرة الأولى وملأ أسماعها صوت زميلاتها وهى تمتدح هذا الوجه الطفولى الملائكى ... شعرت لأول مرة بأنها ليست قبيحة كما تتخيل وأن كلامها يحمل من الصدق الكثير.

فى الصالون لاحظت المبالغة فى الحفاوة التى تبديها أمها للعريس وأسرته والمبالغة فى الحديث عنها وهى تقدمها لهم .. لا تدرى كيف واتتها الشجاعة لرفع راسها والنظر إليه والتفحص فيه .... يبدو عليه الشباب رغم بياض شعره يرتدى قميصا لاحظت به بقعا صغيرة وبنطلون لا يتسق مع القميص ولم يهتم حتى بكيه وحذاء رياضى .

لم تتحمل لهجة التعالى التى يتحدث بها والنظرات التى تجردها من ملابسها والتى أمطرها بها طوال الجلسة .. لم يحاول أن يتحدث إليها ولو بكلمة بل كان النظرات الوقحة فقط .

خلال يومين جاء الرد إيجابى وأنه يطلب لقاء آخر للإتفاق على النواحى المادية فكان ردها صباحا وهى ذاهبة إلى عملها أنها لا توافق وجرت لا تلوى على شئ سوى الهروب من سماع ما لا ترغب فيه .

لن تتزوج سوى من يتقبلها كما هى .... من يرى فيها ما رأته زميلتها ... لن تتزوج إلا من يشعر بها ويرغب فى التعرف بها أكثر ... بمن يود رؤيتها من الداخل ويشجعها ويتخذها شريكة روح قبل أن تكون شريكة جسد  .... لن تتزوج إلا بالقادر على تفجير كل الحب والحنان اللذان لا تظهر منهما سوى ما يراه الغافل من جبل الجليد.