القدس بعد الإسلام - 2
في عام 1033، تعرض المسجد لأضرار بليغة بسبب وقوع زلزال
آخر. وفي عهد الخليفة الفاطمي الظاهر تم إصلاح الأضرار، وتجديد المسجد بين عامي
1034 و 1036. وتم تخفيض عدد الأروقة جذريا من خمسة عشر إلى سبعة. وفي عهد الظاهر
بنيت الأروقة الأربعة من القاعة المركزية والممر الذي يستخدم حاليا كأساس للمسجد.
وقد كان الممر المركز ضعف عرض الممرات الأخرى، وقد وصف الجغرافي الفارسي ناصر بن
خسرو المسجد الأقصى خلال زيارته له عام 1047 .«...
الْمَسْجِد شَرْقي الْمَدِينَة والسوق فَإِذا دخله السائر
من السُّوق فَإِنَّهُ يتَّجه شرقا فَيرى رواقا عَظِيما جميلا ارتفاعه ثَلَاثُونَ
ذِرَاعا وَعرضه عشرُون وللرواق جَنَاحَانِ وواجهتاهما وإيوانه منقوشة كلهَا
بالفسيفساء المثبتة بالجص على الصُّورَة الَّتِي يريدونها وَهِي من الدقة بِحَيْثُ
تبهر النّظر وَيرى على هَذَا الرواق كِتَابَة منقوشة بالمينا وَقد كتب هُنَاكَ لقب
سُلْطَان مصر فحين تقع الشَّمْس على هَذِه النقوش يكون لَهَا من الشعاع مَا يحير
الْأَلْبَاب وَفَوق الرواق قبَّة كَبِيرَة من الْحجر المصقول وَله بَابَانِ
مزخرفان وواجهتاهما من النّحاس الدِّمَشْقِي الَّذِي يلمع حَتَّى لتظن أَنَّهُمَا
طليا بِالذَّهَب وَقد طعما بِالذَّهَب وحليا بالنقوش الْكَثِيرَة وَطول كل
مِنْهُمَا خمس عشرَة ذِرَاعا وَعرضه ثَمَان ويسميان بَاب دَاوُد عَلَيْهِ
السَّلَام وَحين يجتاز السائر هَذَا الْبَاب يجد على الْيَمين رواقين كبيرين فِي
كل مِنْهُمَا تِسْعَة وَعِشْرُونَ عمودا من الرخام تيجانها وقواعدها مزينة بالرخام
الملون ووصلاتها مثبتة بالرصاص وعَلى تيجان الأعمدة طيقان حجرية وَهِي مقامة فَوق
بَعْضهَا بِغَيْر ملاط وجص لَا يزِيد عدد حِجَارَة الطاق مِنْهَا على أَربع أَو
خمس قطع وَهَذَانِ الرواقان ممتدان إلى الْمَقْصُورَة...».
في عام 1099م ، سيطر الصليبيون على القدس، أثناء الحملة
الصليبية الأولى. وبدلا من تدمير المسجد أطلقوا عليه اسم معبد سليمان، وقد إستخدمه
الصليبيين أولا كقصر ملكي وإسطبل للخيول. وفي عام 1119م، تم تحويله إلى مقر لفرسان
الهيكل. وخلال هذه الفترة، خضع المسجد إلى بعض التغييرات الهيكلية، بما في ذلك
توسيع الشرفة الشمالية، وإضافة حنية (محراب الكنيسة) وجدار فاصل. وقد تم بناء دير
جديد وكنيسة أيضا في الموقع، جنبا إلى جنب مع غيرها من الهياكل المختلفة وقد شيد
فرسان المعبد أقباء ومرفقاتها في الجهة الغربية والشرقية للمبنى؛. ويستعمل القبو
الغربي حاليا كمسجد للنساء أما الشرقي فيستخدم كمتحف إسلامي.
بعد حصار 1187 استطاع صلاح الدين الأيوبي بإستعادة القدس من
يد الصليبيين، وأجريت العديد من الإصلاحات والتجديدات في المسجد الأقصى. من أجل
إعداد المسجد لأداء صلاة الجمعة، وفي غضون أسبوع من إستعادة صلاح الدين للقدس تم
إزالة المراحيض ومخازن الحبوب المثبتة من قبل الصليبيين في الأقصى، وقد تم أيضا
إزالة الأرضيات المغطاة بالسجاد الثمين، وباطنها المعطر بماء الورد والبخور، وقد
كلف نور الدين الزنكي، ببناء منبر جديد مصنوع من العاج والخشب في 1168-1169، ولكن
تم الانتهاء منه بعد وفاته، وقد قام صلاح الدين بإضافة منبر نور الدين زنكي إلى
المسجد في نوفمبر 1187، وفي عام 1218م، تم تشييد الرواق الشمالي للمسجد مع ثلاث
بوابات في عهد المعظم السلطان الأيوبي لدمشق، وفي عام 1345م، تم إضافة أضاف اثنين
من البلاطات وبوابتين على الجانب الشرقي للمسجد ، بأمر من السلطان المملوكي الكامل
سيف الدين شعبان إبن قلاوون.
وبعد وصول العثمانيين إلى السلطة في 1517، لم يقوموا بأي
تجديدات أو إصلاحات للمسجد نفسه، لكن قاموا ببعض الإضافات للحرم الشريف ككل. وشمل
ذلك بناء نافورة قاسم باشا عام (1527)، وتم ترميم بركة من رارانج، وبناء ثلاث قباب
قائمة بذاتها، وأبرزها قبة النبي التي بنيت في عام 1538. وقد اهتم الولاة
العثمانيين في القدس بالمسجد كثيرا وجعلوه في مقدمة أولياتهم.
التجديد الأول للمسجد الأقصى في القرن العشرين حدث في عام
1922، عندما كلف المجلس الإسلامي الأعلى تحت أمين الحسيني (مفتي القدس الكبرى)
المهندس المعماري التركي أحمد كيماليتين استعادة المسجد الأقصى والمعالم الآثرية
في ساحاته. كما أن المجلس أيضا قام بتكليف المهندسين المعماريين البريطانيين
وخبراء مصريين والمسؤولين المحليين للمساهمة والإشراف على الإصلاحات والإضافات
التي نفذها كيماليتين مابين 1924–1925. وقد شملت التجديدات تعزيز الأسس الأموية
القديمة للمسجد، وتصحيح الأعمدة الداخلية، لتحل محل العوارض ونصب السقالات، وشملت
أيضا التجديدات ترميم الأقواس والمنطقة الداخلية للقبة الرئيسية وكيفية الحفاظ
عليها، وقد تم إعادة بناء الجدار الجنوبي، واستبدال الأخشاب في الصحن المركزي مع
بكتلة من الخرسانة. وكشفت التجديدات أيضا عن فسيفساء تعود إلى العصر الفاطمي،
وأيضا أكتشف وجود نقوش على الأقواس الداخلية التي كانت مغطاة بالجبس. وقد زينت
الأقواس بالذهب والجص الأخضر ملون واستبدلت الأخشاب بالنحاس. وجدد ربع نوافذ
الزجاج المعشق أيضا بعناية شديدة حفاظا على تصاميمهم العباسية والفاطمية الأصلية،
وقد تعرض المسجد الأقصى لأضرار شديدة بسبب وقوع زلازل مابين 1927 و 1937، وقد تم
إصلاح الأضرار التي لحقت بالمسجد في عام 1938 و 1942 .
تعرض في صبيحة يوم الخميس الموافق 22 أغسطس 1969م لحريق على
يد يهودي أسترالي متطرف اسمه مايكل دينس روهن، حيث تم حرق الجامع القبلي الذي سقط
سقف قسمه الشرقي بالكامل، كما احترق منبر صلاح الدين، الذي أمر ببنائه قبل تحرير
المسجد الأقصى من الصليبيين وقام ((صلاح الدين الأيوبي)) بوضعه داخل المسجد بعد
التحرير، وقد قال روهن تعقيبا على الحريق الذي إفتعله أنه كان يأمل من إحراق
المسجد الأقصى كان من شأنه أن يعجل المجيء الثاني للمسيح ، مما يجعل الطريق لاعادة
بناء الهيكل اليهودي المزعوم على جبل الهيكل . وأدخل روهن إلى مصحة الأمراض
العقلية، وردا على الحادث ، تم عقد قمة للدول الإسلامية في الرباط في العام نفسه ،
الذي استضافه الملك فيصل. ويعتبر حريق الأقصى أحد العوامل المحفزة لتشكيل منظمة
المؤتمر الإسلامي (والآن منظمة التعاون الإسلامي )، وفي عام 1972 ، تم ترميم
المسجد الأقصى والمنبر معه، وتتولى الأردن ترميم وإصلاح المسجدين على نفقتها
الخاصة كلما دعا الأمر لذلك.
في الثمانينات من القرن
الماضي، تآمر بن شوشان ويهودا اتزيون وكلاهما عضو في منظمة غوش امونيم السرية،
لتفجير المسجد الأقصى وقبة الصخرة. أما اتزيون فقد كان يعتقد أن تفجير اثنين من
المساجد سوف يتسبب بصحوة روحية في الكيان الصهيوني، وسوف يحل جميع مشاكل اليهود.
كما أعرب كل من بن شونان واتزينون عن أملهم في بناء المعبد الثالث في القدس
وتحديداً في موقع المسجد الأقصى. وفي 15 يناير 1988، خلال الانتفاضة الأولى، أطلقت
القوات الصهيونية الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين خارج
المسجد، مما أدى إلى إصابة 40 من المصلين. وفي 8 أكتوبر 1990، قتل 22
فلسطينياً وأصيب أكثر من 100 آخرين من "شرطة الحدود الصهيونية" خلال
الاحتجاجات التي تم تشغيلها بواسطة الإعلان عن "جبل الهيكل"، على يد
مجموعة من اليهود المتدينين، الذين كانوا في طريقهم لوضع حجر الأساس للهيكل الثالث
المزعوم.
ولكن هيهات ..
ولكن هيهات ..
No comments:
Post a Comment