Monday, December 15, 2014

تاريخ القدس ومسجدها (2) ... د. محمد عبد الحميد





القدس بعد الاسلام (1)  :
كانت هناك أهميّة خاصة للمسجد الأقصى في عهد النبي محمد صلوات الله عليه، إذ كان القبلة الأولى للمسلمين بعد هجرة النبي محمد إلى المدينة المنورة عام 1 هـ الموافق 622م، فقد كان المسلمون يتوجّهون إلى المسجد الأقصى في صلواتهم، ومكثوا على ذلك مدة 16 شهرًا تقريبًا. فقد روى البراء بن عازب أنه قال: «لما قَدِمَ النَّبيُ صلى الله عليه وسلم المدينةَ صلّى نَحوَ بيتِ المقدسِ سِتةَ عَشرَ شهرًا أو سبعةَ عَشرَ شهرًا، وكان يُحبُ أنْ يُوَجِّهِ إلى الكَعبةِ، فأنزل اللّه تعالى قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ 3سورة البقرة، الآية: 144.» .

وكان المسجد الأقصى وجهة النبي محمد في الرحلة المعجزة المعروفة باسم الإسراء والمعراج، وذلك ليلة 27 رجب بعد البعثة بعشر سنين (3 ق هـ)، إذ يؤمن المسلمون أن النبيَّ محمدًا خرج من المسجد الحرام بصحبة المَلَك جبريل راكبًا دابّة البراق، فنزل في المسجد الأقصى وربط البُراق بحلقة باب المسجد عند حائط البراق، وصلّى بجميع الأنبياء إمامًا، ثم عُرج به من الصخرة المشرّفة إلى فوق سبع سماوات مارًا بالأنبياء: آدم ويحيى بن زكريا وعيسى بن مريم ويوسف وإدريس وهارون وموسى وإبراهيم.

عندما تولّى الخليفة أبو بكر الصديق خلافة المسلمين خلفاً للنبي محمد، قام بتسيير جيش أسامة بن زيد لفتح بلاد الشام عامّة ونشر الدعوة الإسلامية فيها، وقد كان النبي محمد قد جهّز جيش أسامة قبل وفاته، وما لبث أن تُوفي أبو بكر الصديق، فتولّى عمر بن الخطاب الخلافة، فكان أوّل ما فعله أن ولّى أبا عبيدة بن الجراح قيادة الجيش الفاتح لبلاد الشام بدلاً من خالد بن الوليد، فوصل أبو عبيدة بن الجراح إلى مدينة القدس (وكانت تُسمى "إيلياء")، فاستعصت عليهم ولم يتمكنوا من فتحها لمناعة أسوارها، حيث اعتصم أهلها داخل الأسوار، فحاصرهم حتى تعبوا وأرسلوا يطلبون الصلحَ وتسليم المدينة بلا قتال، واشترطوا أن يأتي خليفة المسلمين بنفسه إلى القدس ليتسلّم مفاتيحها منهم، فخرج عمر بن الخطاب من المدينة المنورة حتى وصل القدس، وذلك عام 15 هـ الموافق 636م، وأعطى أهلها الأمن وكتب لهم العهدة العمرية.
وقد صحبه البطريرك "صفرونيوس" فزار كنيسة القيامة، ومن ثم أوصله إلى المسجد الأقصى، فلمّا دخله قال: «الله أكبر، هذا المسجد الذي وصفه لنا رسول الله »، وكان في تلك الأيام عبارة عن هضبة خالية في قلبها الصخرة المشرفة، ثم أمر الخليفة عمر بن الخطاب ببناء المصلّى الرئيسي الذي سيكون مكان الصلاة الرئيسي في المسجد الأقصى، وهو موقع "الجامع القبلي" اليوم، ويقع في الجنوب في جهة القبلة، وكان المسجد في عهده عبارة عن مسجد خشبي يتّسع لحوالي 1000 شخص، وبقي على حاله إلى زمن الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان.

بعد قيام الدولة الأموية في عام 41 هـ الموافق 661 على يد معاوية بن أبي سفيان، قام بتجديد بناء المسجد القبلي داخل المسجد الأقصى الذي بناه عمر بن الخطاب، فجعل من الحجر بدلاً من الخشب، ووسّعه ليسع 3000 مصلٍ. وقد ذكر بعض المؤرخين المسلمين في مذكراتهم مثل مجير الدين والمقدسي والسيوطي أن أوسع حركة تعمير للمسجد تمت في عهد الخليفة عبد الملك بن مروان منذ عام 65 هـ الموافق 685 جنبا إلى جنب مع قبة الصخرة، وتواصلت في عهد ابنه الوليد بن عبد الملك حتى عام 96 هـ الموافق 715. حيث بدأ البناء الأموي للمسجد الأقصى ببناء قبة الصخرة وهي عبارة عن قبة ذهبية فوق الصخرة المشرفة الواقعة في قلب الأقصى (في منتصف المسجد أقرب إلى الغرب قليلا)، والتي تمثل أعلى نقطة في جبل البيت المقدس، ويعتقد أن معراج النبي محمد إلى السماء تم منها، لتكون قبة للمسجد كاملاً. وقبل الشروع ببنائها، أقيمت بجانبها قبة صغيرة في منتصف المسجد الأقصى تماماً، عُرفت بـ "قبة السلسلة"، لتكون مقراً للمشرفين على البناء للأقصى، وخزانة لجمع الأموال اللازمة لذلك، وقيل لتكون نموذجاً لقبة الصخرة.

في عام 746، تعرض المسجد الأقصى إلى زلزال أدى إلى تدميره، وبعد أربع سنوات أطاح السفاح بالخلافة الأموية، وأنشأ الخلافة العباسية عام 750م. وبعد أربع سنوات توفي السفاح بعد ان عهد بالخلافة لأخيه أبو جعفر المنصور، وقد أعلن المنصور نيته لإصلاح المسجد، وقال أنه لويحات الذهب والفضة التي غطت بوابات المسجد يجب إزالتها وتحولت إلى دينار ودرهم لتمويل إعادة الإعمار التي انتهت في عام 771. وفي عام 774، ضرب زلزال ثاني المسجد أدى إلى تدمير معظم إصلاحات المنصور، باستثناء تلك التي في الجزء الجنوبي من المسجد. وفي عام 780، أعيد بناء المسجد في عهد الخليفة محمد المهدي الذي أمر ببنائه فانقص من طوله وزيد في عرضه ، وفي عام 985، أشار الجغرافي المقدسي أن المسجد الذي تم تجديده كان يضم " خمسة عشر رواق وخمسة عشر باب".

No comments:

Post a Comment